محمد شيخو - أحد ابرز الفنانين الكرد الموهوبين القلائل الذين ظهروا في فترة السبعينيات على الساحة الفنية والموسيقية,وهو ذو إحساس قومي ووطني رفيع ,خدم الأغنية الكردية بكل تفان وإخلاص ،وله إسهامات جليلة وبصمات واضحة في الأغنية القومية الكردية خلال أكثر من ربع قرن لهذا الزمن, ولا ريب ستذكرها الأجيال الكردية طويلا وستكررها الأفواه عبر ألازمان القادمة,لأنها تمثل التراث والفلكلور الكردي الحقيقي .
استطاع الفنان محمد شيخو و بكل جدارة إن يهيج كثير من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية التي اندثرت عبر تراكمات الزمن انه المبدع الذي كان دائما يتأمل إلى مجتمع متكامل مفعم بالازدهار والمودة, ويسوده العدل واحترام الإنسان للإنسان. محمد شيخو عبارة عن إمبراطورية من الإبداع واستطاع من خلال إبداعه و صوته الساحر التي تلامس أوتار الفؤاد , أن يدخل إلى كل القلوب ويعشقه كل الناس من الطوائف والفئات .
محمد شيخو بأصالته وأدائه السلس و صوته الصافي الساحر استطاع أن يمنح خصائص واضحة و هيئة مهذبة للأغنية الكردية على مساحته الواسعة , كان نتاج جهده المتواصل خلال أعوام متتالية : ما هو إلا ان يكون جسرا فاعلا يجتاز عليه التراث والفلكلور الشعبي للفنانين أمثال( عيسى برواري عارف جزراوي مريم خان وعيشي شان ) إلى أجيال قادمة. لقد ذاق هذا الفنان شظف العيش ومرارة الحياة وكلها من أجل الارتقاء بالموسيقى والأغنية الكردية إلى مصاف الموسيقى العالمية، وظل على هذا النهج الذي سلكه حتى آخر أيام حياته. ولو استغل هذه الصوت لوجد كثير من الضمائر العالمية التي تعترف وتسعى إلى إرضاء الأكراد . ومن أراد ان يدخل أو يتعرف على الحب الشامل الكامل , فيجب عليه ان يدخل من مدخل هذا الإنسان الذي فرض ذاته ليكون بجدارة رمز الحب والإخاء .حمل المبدع كل مآسي الإنسان على ظهره وغنى أجمل ألاغاني . ولد الفنان محمد شيخو عام (1948) في قرية( كرباوي) إحدى قرى الجزيرة السورية والتي تبعد عن مدينة قامشلي مسافة (15 كيلو متر ) ترعرع في كنف أسرة وطنية محبة للفن والأدب والتراث تنقل كثيرا بين مدن وأرياف كردية بسبب الأوضاع الاجتماعية ,والسياسية ,والاقتصادية السيئة التي عاشها الكرد . وفي عام (1968 ) وهو لم يتجاوز العشرين من عمره بعد قصد الفنانين (حسن توفو وخليل ايزيدي) ليتعلم العزف على آلة البزق ليحقق جزءا بسيطا من حلمه الذي راوده فترة طفولته: ألا وهو التعلم على آلة البزق . بعد عدة زيارة لهم اكتسب منهم خبرة لا باس بها . بدأ أولى تجاربه الغنائية في الأعراس والمناسبات التي كانت تقام في المدن الكردية، وبدأ بالأغاني الفلكلورية الكردية الرائعة . وفي عام (1970) عاد إلى قريته لكنه لم يمكث فيها كثيرا لقلقه الدائم ، حيث قصد عاصمة الثقافة والفن ( بيروت) لدراسة الموسيقى وهناك وبرغبة منه ولتروعه العمل ضمن الجماعة ( الفرقة ) أصبح بذلك عضوا نشطا في فرقة (سركوتن- serkewtin) للفلكلور الكردي إلى جانب نخبة من الفنانين أمثال (سعيد يوسف و محمود عزيز شاكر ورمضان نجم اومري و المغنية بروين) بالإضافة إلى الفنانين اللبنانيين ليعملوا معا في تحديث الموسيقا الكردية من حيث الغناء والعزف والتلحين ، قام بأحياء حفلات عدة في بيروت تحديدا في سينما (ريفولي وبيبلوس) وكانت أولى حفلاته بتاريخ 24/3/71 وقد غنى الفنان (Ez cum nav bexce gula ) للشاعر الكبير جكرخوين وتغنى جميع الناس بهذه الأغنية الساحرة والتي تشعر من خلال كلماتها ولحنها وكأنك جالس في بساتين مليئة بالأزهار والبلابل وصادف أن حضر في إحدى حفلاته رئيس الوزراء اللبناني ( صائب سلام ) وأعجب كثيرا بأدائه و بصوته الجميل على الرغم من عدم فهمه للغة الكردية ومعانيها لكنه طرب واسعد بالموسيقى واللحن والأداء والصوت .هكذا كان صوت محمد شيخو بأدائه الرائع يدخل كل قلب دون استئذان وبفرح وثيق, وبعد هذه الشهرة الرائعة التي نالها في عاصمة الفن والجمال في بيروت أذيعت صيته في المحافل الفنية مما جعلت الفنانة العربية سميرة توفيق ان تطمح في ضمه إلى فرقتها والعمل معها. لان محمد شيخو كان مدرسة موسيقية بحد ذاته . في عام (1973) ترك لبنان وشد الرحال باتجاه كردستان العراق على اثر ورود معلومات أفادته بان هناك جهات تسعى لاغتياله لهذا السبب غادر لبنان ليستقر في مدينة كركوك و بقي فترة من الزمن فيها ومن ثم غادرها إلى بغداد وعمل في إذاعة وقناة التلفزيون الكرديين ,وفي العراق استدل على نخبة من المطربين والفنانين الكرد المشهورين أمثال :محمد عارف الجزراوي، شمال صائب، تحسين طه، كلبهار، وبشار زاخولي، وسجل عدة أغان لإذاعة و تلفزيون كركوك الكرديين, منها (aso – eman – ey felek )حتى قال عنه تحسين طه ان كل ما غناه محمد شيخو أصبح ملكه . وفي فترة مكوثه بالعراق نال الفنان محمد شيخو شرف اللقاء بالقائد التاريخي ( البارزاني ) الخالد، لذلك احترمه وقدره بل وأبدا إعجابه كثيرا بأسلوبه الغنائي السلس والممتع وانتقاءه للكلمات الثورية والوطنية التي تمجد نضال الكرد وتدفعهم إلى مقارعة الظلم والاضطهاد الذي كان يعاني الشعب الكردي منه و أيضا شكره على خدماته الجليلة للأغنية والموسيقى الكردية وكافأه على ذلك. وقد غنى محمد شيخو أمامه أغنيته المشهورة : كي دنيا هجاند – (dinya hejand kê ) من الذي هز العالم والتي تناول فيها البارزاني الخالد ونضاله وتفانيه من اجل القضية الكردية. ظل محمد شيخو ضمن صفوف البيشمركة- مغنيا,مؤازرا,مشجعا ,ومشاركا لهموم الناس هناك حتى مؤامرة الجزائر المشؤومة التي حيكت ضد الشعب الكردي في عام ( 1975 ) وبعد نكسة الجزائر قرر الذهاب مع الألوف المهاجرة من أبناء شعبه إلى إيران، في إيران غنى her erom erm – \erm,na del – her \, d buhare ) ) بأسلوبه الذي استطاع من خلاله ان يهز عرش الأغنية الفارسية . لكنه أصيب هناك باليأس والإحباط حيث ضايقته المراقبة من قبل عملاء مخابرات الشاه عاقبة مواقفه من القضية الكردية وتسجيله لعدد من الأغاني، هذا من جانب، ومن جانب أخر رأى أن أصدقاءه قد تشتتوا وتفرقوا بين العودة إلى العراق و الارتحال إلى الخارج، أي إلى فيافي العالم فاضطر إلى الرجوع إلى سوريا في عام (1981) واستقر تماما في مدينة القامشلي غنى ezbum frar) ) للشاعر بيبهار من ثم leyla lcwan) ) ومن ثم (sbrE) واستمر في مسيرته الفنية بغض النظر عن مساعدته للفنانين الكرد، استطاع تأسيس فرقة فنية للأطفال ليعلمهم الأناشيد الوطنية والأهازيج الفلكلورية.وآخر ما غناه الفنان الكبير في عام (86) الأسطورة ( جواني آزادي ) والذي جسد من خلال لحنها كل معاني الإنسانية وترابطها بالطبيعة وفي ذات الكاسيت ايضا ” غنى ( نخشم از ) للشاعر الكبير جكرخوين ,وظل محمد شيخو يعاني الكثير من ظلم الإنسان للإنسان فاشتكت الطبيعة راجية من الله جل جلاله بان يأخذ هذا المبدع الذي يعيش بين ذئاب ولا تكمن في قلبها ولو الشيء البسيط من الإنسانية .في 9 آذار( 1989) رحل فنان الكرد محمد شيخو اثر مرض مفاجئ وهو مازال في عنفوان شبابه وعطائه الفني. لقد دفن في مقبرة الهلالية حسب وصيته ووسط جماهير حاشدة وبمراسم مهيبة تليق بمكانته كفنان قومي أعطى عمره من اجل ذلك .( كا فا ئه زم مرم كه لي كونديا – من نه فشيرن وكي هميا )gava ez mirim gelî gundiya min ne veşêrin wekî hemiya (، وفحواها تقول: إذا مت أيها القرويون فلا تدفنوني كبيقة الناس. فبرحيله بكى الآلاف من شعبه وبحضور المخلصين والمحبين لفنه. فوداعا بافي فلك محمد شيخو..
وداعا أيها الغائب الحاضر بيننا.