شتات الغجر.. مأساة شعب
تكبير الصورة تم تعديل ابعاد هذه الصورة. انقر هنا لمعاينتها بأبعادها الأصلية.
* إعداد خالد سيف الدين
الغجر شعوب تقطن أوروبا منذ القرن الخامس عشر، تتكلم لغة مشتركة ولها ثقافة
وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة
التنقل والترحال، وللغجر أسماء مختلفة باختلاف اللغات والأماكن التي
يتواجدون فيها، ومن أسمائهم الشائعة في أوربا (الروم)، وهم من بين الشعوب
التي تعرضت للاضطهاد من قبل الحكم النازي.
توجد آراء مختلفة بشأن تاريخ الغجر وأصولهم، إلا أن رأيا منها يبدو وجيها
وهو أن هؤلاء الأقوام أصلا من شعوب الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا،
هاجروا عن أراضيهم في حوالي القرن الرابع الميلادي، وأوضح بعض المؤرخين
أنهم في أواسط القرن الخامس عشر (1440م تقريبا) وصلوا إلى مناطق المجر
وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وروسيا،
واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا السويد وإنجلترا في القرن السادس عشر
الميلادي، كما استوطنوا في إسبانيا بأعداد كبيرة في ذلك الوقت. انقسم الغجر
في دياناتهم حيث اصبح جزء منهم مسلمين كما في البوسنة والهرسك، بينما جزء
آخر تبعوا مذهب الأرثوذكس في صربيا والجبل الأسود، كما اصبح معظم الغجر في
أوروبا الغربية رومان كاثوليك، ولكنهم حافظوا على كثير من معتقداتهم
السابقة قبل اعتناقهم المسيحية، أما من ناحية اللغة فقد تفرقت لغة الغجر
بتفرقهم وتأثرهم بألسنة القوميات المتعددة التي عاشوا وسطها، ولكن هناك
محاولات في الزمن الحالي لتدوينها على الرغم من أن المنشورات الغجرية
المكتوبة قد ظهرت أيام الاتحاد السوفييتي في عهوده الأولى.
تعرضهم للحقد والكراهية
الكثير من سمات الغجر وتصرفاتهم لا تروق للشعوب المتحضرة، وربما يكون هذا
سببا في أن المراجع التاريخية الأوربية تحاول إثبات أنهم ليسوا أوروبيي
المنشأ، وأنهم مهاجرون من خارج القارة، والكراهية والحقد ضد الغجر كانا وما
زالا واسعي الانتشار بين الشعوب المستقرة، ربما بسبب هذه السلوكيات
والعادات غير المقبولة، أما المهن التي يمتهنونها في العادة فهي تخضع
لطبيعة حياتهم المتنقلة، فهم عادة لا يسمح لهم بامتلاك الأراضي في الدول
التي تؤويهم، وفي غالب الأحوال تكون تجارة بيع الأحصنة والبغال والحيوانات
الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كأعمال الفضة
والحديد وصياغة الذهب، كما انهم يشتهرون بتقديم الموسيقى في المنتزهات وفي
العاب السيرك، ومن جانب آخر عادة ما تكون تهم السرقة وانعدام الأمانة
ملازمة للغجر بسبب أسلوب حياتهم المتنقل وسلوكياتهم غير المألوفة.
ممارسات عدوانية
تعرض الغجر لممارسات عدوانية من الشعوب المستقرة على مر التاريخ، وتمثلت
الاعتداءات عليهم في الترحيل القسري، وعدم الاعتراف بهم كمواطنين في
البلدان التي يقيمون فيها، حيث تم ترحيلهم من مناطق عديدة في أوروبا، وقد
وصلت قمة الكراهية للغجر في الأمر الذي أصدره ملك (بروسيا) في عام 1725م
ويقضي بقتل كل غجري فوق الثامنة عشرة من العمر.
مع تطور المجتمع الصناعي إبّان عصر نهضة الصناعات في أوروبا وظهور
المجتمعات الحضرية، تعرض الغجر إلى مراقبة السلطات في البلدان الأوروبية،
حيث قامت بافاريا بإنشاء وزارة مختصة بشئون الغجر، وكانت مركز العداء لكل
ما هو غجري في ألمانيا حتى قيام النازية، في فبراير عام 1929م صدرت قوانين
تلزم الغجر الذين ليست لديهم مهنة ثابتة في ألمانيا بالعمل القسري
(السخرة)، وقد طبق هذا النظام في عدد من الدول الأوروبية.
الغجر والنازية
يحتل الغجر مرتبة متدنية في الترتيب العرقي للنظرية النازية، فهم عرفوا على
حسب قانون نورمبيرج لعام 1935م بأنهم شعوب غير آرية، وبالتالي يمنع عليهم
الزواج من ألمانيات، كما وصفوا بأنهم مجموعات منغلقة على نفسها في قانون
1937م، وهي تهمة جنائية يعاقبون عليها حتى وان لم يرتكبوا أي جريمة، وكان
أن يتم حبس 200 من الغجر كل مرة في معسكرات التركيز، وبحلول عام 1938م،
أنشأ الفوهرر هيملر مكتبا مركزيا لمكافحة خطر الغجر، وكانت الوظيفة
الأساسية لهذا المكتب هي فرز الغجر الأنقياء من الغجر المختلطين، وقد تمت
العديد من الممارسات العنصرية ضدهم في ذلك العهد، حتى وصل بهم الحال إلى
وضعهم في زرائب ذات سياج كما توضع البهائم.
كان قانون 1943م يمنع ذكر الغجر بسبب عدم توقع استمرارهم في الحياة، ثم أمر
هتلر بترحيل الغجر إلى (اوسشفيتز)، ولكنه لم يسمح بقتلهم إلا في عام
1944م، حيث قتل العديد منهم في المعسكرات الأخرى بسبب الجوع والمرض
والتعذيب، وبسبب استخدامهم كمادة للتجارب، وفي نهاية الحرب العالمية
الثانية مات خمسة عشر ألف غجري من أصل عشرين ألفاً كانوا يعيشون في
ألمانيا، ومثلت هذه الحادثة أقسى عمليات إبادة عرقية في تلك الفترة التي لن
ينساها العالم.
المعتقدات والتقاليد
من معتقدات الغجر أن الإنسان خلق من أصول ثلاثة، وأن أجداد البشرية ثلاثة
رجال أحدهم أسود وهو جد الأفارقة، والآخر أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم
من البيض، والأخير هو جد الغجر، وان هذا الجد يسمى (كين)، وقد قتل شقيقه
وعوقب من الله بأن جعله هائما في الأرض هو وذريته من بعده.
هناك رواية أخرى تقول إن سبب الشتات في الأرض والتنقل هو أن الجد الغجري قد
أسرف في الخمر وثمل ولم يستطع الدفاع عن المسيح، ورواية أخرى تقول إن الجد
الغجري قد صنع المسمار في الصليب الذي أراد أعداء المسيح صلبه عليه. كل
هذا الأشياء تعطي الانطباع بأن الغجر دائما يقفون في صف مناقض للمسيحيين،
وقد تبدو هذه المواقف أحد مبررات الكراهية ضد الغجر من قبل الأوروبيين.
مهن متوارثة
كان الغجر يمتهنون التقاط الطعام والصيد إضافة إلى خبرتهم في الحيوانات
والمعرفة التقليدية بطب الأعشاب. في السابق كان يمكن تمييز الغجر سهلاً
بسبب أنماط لبسهم الغريبة، ولغتهم الخاصة، فقد كان النساء يلبسن الملابس
الفضفاضة المزركشة، ويتخذن زينة من الحلي المختلفة بشكل كثيف ولافت، ويضعن
على آذانهن حلقات كبيرة من الفضة تنعكس عليها أشعة الشمس مكونة بريقا يضفي
على الغجرية مسحة جمالية خاصة، مع تزيين الوجه وإسبال الشعر الأسود على
جانبيه، أما الرجال فيلبسون الملابس المبهرجة متعددة الألوان إضافة إلى وضع
لفافة حول الرقبة.
خيمة وعربة وحصان
كان الغجر في الماضي يستخدمون العربات التي تجرها الخيول والبغال والحمير،
ولكن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية واكتشاف المحركات التي تعمل بواسطة
البترول تركوا مركباتهم تلك، فقط 6% من الغجر الآن يعيشون على العربات من
النمط القديم، غالبا ما يعيش الغجر في الخيام، أو على ظهور عرباتهم (ربما
أصبح ذلك من الماضي)، ومن عاداتهم تزيينها برسومات مختلفة، ولتلك المناسبة
أسطورة تحكي أن أحد الغجر قد هام حبا بفتاة، وعند زواجه بها طلبت منه أن
يزين لها بيت الزوجية، وقد استجاب الفتى لذلك، ووضع كل ما أمكنه من تصميمات
فنية في تلك العربة، وتمضي القصة لتحكي أن الغجرية أصيبت بداء عضال سبب
وفاتها، الأمر الذي أحزن الفتى الغجري كثيرا، ثم قام برسم وجهين في عربته،
الوجه الأول لرجل داكن البشرة يمثله هو والآخر لفتاة ذات شعر أحمر تمثل
عروسه، وسار الناس على العادة وصاروا يزينون عرباتهم بنفس الطريقة، ويخصص
الغجري ربع مساحة العربة لزوجته مع إحداث فتحة في الأعلى للتمكن من إشعال
النار بداخلها.
يتزوج الغجري بالغجرية في سن مبكرة جدا وذلك الزواج يتبع التقاليد الغجرية
بصرامة من حيث طريقة الاحتفال، ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها
للزواج لفافة عنقه، وإذا ما ارتدت البنت تلك اللفافة فهذا يعني أنها قبلت
الزواج به وإلا فلا، والطلاق نادر الحدوث بين الغجر. وهناك عادة قفز
الزوجين للمكنسة، وعادة أخرى غريبة للزواج، وهي أن يتصافح الزوجان ثم تكسر
قطعة من الخبز وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد
منهما القطعة التي فيها دم الآخر، ثم يكسر ما تبقى من قطعة الرغيف على
رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال، ولا يحضران إلا في اليوم التالي
للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج.
عادات الولادة
تعتبر المرأة الحامل عند الغجر غير طاهرة، وبالتالي تعزل في خيمة منفصلة
بعيدة عن العربة، وعند قدوم ميقات وضع الطفل تذهب الأم المرتقبة بعيدا
بمفردها إلى شجرة حيث تضع مولودها هناك، أو تضع مولودها في خيمة أخرى،
وتستمر فترة العزل للمرأة بعد الولادة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى شهرين،
بعدها تمارس حياتها العادية اليومية بصورة طبيعية، ولا يلمس والد الطفل
ولده إلا بعد أن يتم تعميده (حسب التقاليد المسيحية). الآن تغير هذا الوضع
واصبح بمقدور الغجرية أن تذهب للمستشفى لإجراء عملية الولادة، ويستطيع
الزوج أن يزور زوجته وهو في كامل أناقته.
عادات الوفاة
تعتبر عادات الوفاة من اكثر العادات القديمة التي دامت عند الغجر، وأيضا
تلعب العربة دورا ظاهرا في تلك العادات، فبعد وفاة أحد الغجر تحرق عربته!
وفي الأوقات العصيبة يقومون ببناء خيمة وتدميرها عوضا عن إحراق العربة، قبل
دفن الغجري المتوفى لا يتناول الغجر الطعام ولا الشراب، ويقوم ثلاثة من
الغجر بحراسة المتوفى من الأرواح الشريرة، وقد استمرت هذه العادات حتى عام
1915م، وعادة ما يكون الكفن واسعاً لاحتواء ممتلكات المتوفى إلى جانبه،
ويقومون بإلباسه احسن الأزياء لديه، أما المرأة فتدفن معها جميع ممتلكاتها
الثمينة، إلا في حالة أن يكون لديها بنات من دم غجري خالص، عندها يرثن تلك
الممتلكات.
تكبير الصورة تم تعديل ابعاد هذه الصورة. انقر هنا لمعاينتها بأبعادها الأصلية.
* إعداد خالد سيف الدين
الغجر شعوب تقطن أوروبا منذ القرن الخامس عشر، تتكلم لغة مشتركة ولها ثقافة
وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة
التنقل والترحال، وللغجر أسماء مختلفة باختلاف اللغات والأماكن التي
يتواجدون فيها، ومن أسمائهم الشائعة في أوربا (الروم)، وهم من بين الشعوب
التي تعرضت للاضطهاد من قبل الحكم النازي.
توجد آراء مختلفة بشأن تاريخ الغجر وأصولهم، إلا أن رأيا منها يبدو وجيها
وهو أن هؤلاء الأقوام أصلا من شعوب الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا،
هاجروا عن أراضيهم في حوالي القرن الرابع الميلادي، وأوضح بعض المؤرخين
أنهم في أواسط القرن الخامس عشر (1440م تقريبا) وصلوا إلى مناطق المجر
وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وروسيا،
واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا السويد وإنجلترا في القرن السادس عشر
الميلادي، كما استوطنوا في إسبانيا بأعداد كبيرة في ذلك الوقت. انقسم الغجر
في دياناتهم حيث اصبح جزء منهم مسلمين كما في البوسنة والهرسك، بينما جزء
آخر تبعوا مذهب الأرثوذكس في صربيا والجبل الأسود، كما اصبح معظم الغجر في
أوروبا الغربية رومان كاثوليك، ولكنهم حافظوا على كثير من معتقداتهم
السابقة قبل اعتناقهم المسيحية، أما من ناحية اللغة فقد تفرقت لغة الغجر
بتفرقهم وتأثرهم بألسنة القوميات المتعددة التي عاشوا وسطها، ولكن هناك
محاولات في الزمن الحالي لتدوينها على الرغم من أن المنشورات الغجرية
المكتوبة قد ظهرت أيام الاتحاد السوفييتي في عهوده الأولى.
تعرضهم للحقد والكراهية
الكثير من سمات الغجر وتصرفاتهم لا تروق للشعوب المتحضرة، وربما يكون هذا
سببا في أن المراجع التاريخية الأوربية تحاول إثبات أنهم ليسوا أوروبيي
المنشأ، وأنهم مهاجرون من خارج القارة، والكراهية والحقد ضد الغجر كانا وما
زالا واسعي الانتشار بين الشعوب المستقرة، ربما بسبب هذه السلوكيات
والعادات غير المقبولة، أما المهن التي يمتهنونها في العادة فهي تخضع
لطبيعة حياتهم المتنقلة، فهم عادة لا يسمح لهم بامتلاك الأراضي في الدول
التي تؤويهم، وفي غالب الأحوال تكون تجارة بيع الأحصنة والبغال والحيوانات
الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كأعمال الفضة
والحديد وصياغة الذهب، كما انهم يشتهرون بتقديم الموسيقى في المنتزهات وفي
العاب السيرك، ومن جانب آخر عادة ما تكون تهم السرقة وانعدام الأمانة
ملازمة للغجر بسبب أسلوب حياتهم المتنقل وسلوكياتهم غير المألوفة.
ممارسات عدوانية
تعرض الغجر لممارسات عدوانية من الشعوب المستقرة على مر التاريخ، وتمثلت
الاعتداءات عليهم في الترحيل القسري، وعدم الاعتراف بهم كمواطنين في
البلدان التي يقيمون فيها، حيث تم ترحيلهم من مناطق عديدة في أوروبا، وقد
وصلت قمة الكراهية للغجر في الأمر الذي أصدره ملك (بروسيا) في عام 1725م
ويقضي بقتل كل غجري فوق الثامنة عشرة من العمر.
مع تطور المجتمع الصناعي إبّان عصر نهضة الصناعات في أوروبا وظهور
المجتمعات الحضرية، تعرض الغجر إلى مراقبة السلطات في البلدان الأوروبية،
حيث قامت بافاريا بإنشاء وزارة مختصة بشئون الغجر، وكانت مركز العداء لكل
ما هو غجري في ألمانيا حتى قيام النازية، في فبراير عام 1929م صدرت قوانين
تلزم الغجر الذين ليست لديهم مهنة ثابتة في ألمانيا بالعمل القسري
(السخرة)، وقد طبق هذا النظام في عدد من الدول الأوروبية.
الغجر والنازية
يحتل الغجر مرتبة متدنية في الترتيب العرقي للنظرية النازية، فهم عرفوا على
حسب قانون نورمبيرج لعام 1935م بأنهم شعوب غير آرية، وبالتالي يمنع عليهم
الزواج من ألمانيات، كما وصفوا بأنهم مجموعات منغلقة على نفسها في قانون
1937م، وهي تهمة جنائية يعاقبون عليها حتى وان لم يرتكبوا أي جريمة، وكان
أن يتم حبس 200 من الغجر كل مرة في معسكرات التركيز، وبحلول عام 1938م،
أنشأ الفوهرر هيملر مكتبا مركزيا لمكافحة خطر الغجر، وكانت الوظيفة
الأساسية لهذا المكتب هي فرز الغجر الأنقياء من الغجر المختلطين، وقد تمت
العديد من الممارسات العنصرية ضدهم في ذلك العهد، حتى وصل بهم الحال إلى
وضعهم في زرائب ذات سياج كما توضع البهائم.
كان قانون 1943م يمنع ذكر الغجر بسبب عدم توقع استمرارهم في الحياة، ثم أمر
هتلر بترحيل الغجر إلى (اوسشفيتز)، ولكنه لم يسمح بقتلهم إلا في عام
1944م، حيث قتل العديد منهم في المعسكرات الأخرى بسبب الجوع والمرض
والتعذيب، وبسبب استخدامهم كمادة للتجارب، وفي نهاية الحرب العالمية
الثانية مات خمسة عشر ألف غجري من أصل عشرين ألفاً كانوا يعيشون في
ألمانيا، ومثلت هذه الحادثة أقسى عمليات إبادة عرقية في تلك الفترة التي لن
ينساها العالم.
المعتقدات والتقاليد
من معتقدات الغجر أن الإنسان خلق من أصول ثلاثة، وأن أجداد البشرية ثلاثة
رجال أحدهم أسود وهو جد الأفارقة، والآخر أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم
من البيض، والأخير هو جد الغجر، وان هذا الجد يسمى (كين)، وقد قتل شقيقه
وعوقب من الله بأن جعله هائما في الأرض هو وذريته من بعده.
هناك رواية أخرى تقول إن سبب الشتات في الأرض والتنقل هو أن الجد الغجري قد
أسرف في الخمر وثمل ولم يستطع الدفاع عن المسيح، ورواية أخرى تقول إن الجد
الغجري قد صنع المسمار في الصليب الذي أراد أعداء المسيح صلبه عليه. كل
هذا الأشياء تعطي الانطباع بأن الغجر دائما يقفون في صف مناقض للمسيحيين،
وقد تبدو هذه المواقف أحد مبررات الكراهية ضد الغجر من قبل الأوروبيين.
مهن متوارثة
كان الغجر يمتهنون التقاط الطعام والصيد إضافة إلى خبرتهم في الحيوانات
والمعرفة التقليدية بطب الأعشاب. في السابق كان يمكن تمييز الغجر سهلاً
بسبب أنماط لبسهم الغريبة، ولغتهم الخاصة، فقد كان النساء يلبسن الملابس
الفضفاضة المزركشة، ويتخذن زينة من الحلي المختلفة بشكل كثيف ولافت، ويضعن
على آذانهن حلقات كبيرة من الفضة تنعكس عليها أشعة الشمس مكونة بريقا يضفي
على الغجرية مسحة جمالية خاصة، مع تزيين الوجه وإسبال الشعر الأسود على
جانبيه، أما الرجال فيلبسون الملابس المبهرجة متعددة الألوان إضافة إلى وضع
لفافة حول الرقبة.
خيمة وعربة وحصان
كان الغجر في الماضي يستخدمون العربات التي تجرها الخيول والبغال والحمير،
ولكن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية واكتشاف المحركات التي تعمل بواسطة
البترول تركوا مركباتهم تلك، فقط 6% من الغجر الآن يعيشون على العربات من
النمط القديم، غالبا ما يعيش الغجر في الخيام، أو على ظهور عرباتهم (ربما
أصبح ذلك من الماضي)، ومن عاداتهم تزيينها برسومات مختلفة، ولتلك المناسبة
أسطورة تحكي أن أحد الغجر قد هام حبا بفتاة، وعند زواجه بها طلبت منه أن
يزين لها بيت الزوجية، وقد استجاب الفتى لذلك، ووضع كل ما أمكنه من تصميمات
فنية في تلك العربة، وتمضي القصة لتحكي أن الغجرية أصيبت بداء عضال سبب
وفاتها، الأمر الذي أحزن الفتى الغجري كثيرا، ثم قام برسم وجهين في عربته،
الوجه الأول لرجل داكن البشرة يمثله هو والآخر لفتاة ذات شعر أحمر تمثل
عروسه، وسار الناس على العادة وصاروا يزينون عرباتهم بنفس الطريقة، ويخصص
الغجري ربع مساحة العربة لزوجته مع إحداث فتحة في الأعلى للتمكن من إشعال
النار بداخلها.
يتزوج الغجري بالغجرية في سن مبكرة جدا وذلك الزواج يتبع التقاليد الغجرية
بصرامة من حيث طريقة الاحتفال، ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها
للزواج لفافة عنقه، وإذا ما ارتدت البنت تلك اللفافة فهذا يعني أنها قبلت
الزواج به وإلا فلا، والطلاق نادر الحدوث بين الغجر. وهناك عادة قفز
الزوجين للمكنسة، وعادة أخرى غريبة للزواج، وهي أن يتصافح الزوجان ثم تكسر
قطعة من الخبز وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد
منهما القطعة التي فيها دم الآخر، ثم يكسر ما تبقى من قطعة الرغيف على
رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال، ولا يحضران إلا في اليوم التالي
للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج.
عادات الولادة
تعتبر المرأة الحامل عند الغجر غير طاهرة، وبالتالي تعزل في خيمة منفصلة
بعيدة عن العربة، وعند قدوم ميقات وضع الطفل تذهب الأم المرتقبة بعيدا
بمفردها إلى شجرة حيث تضع مولودها هناك، أو تضع مولودها في خيمة أخرى،
وتستمر فترة العزل للمرأة بعد الولادة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى شهرين،
بعدها تمارس حياتها العادية اليومية بصورة طبيعية، ولا يلمس والد الطفل
ولده إلا بعد أن يتم تعميده (حسب التقاليد المسيحية). الآن تغير هذا الوضع
واصبح بمقدور الغجرية أن تذهب للمستشفى لإجراء عملية الولادة، ويستطيع
الزوج أن يزور زوجته وهو في كامل أناقته.
عادات الوفاة
تعتبر عادات الوفاة من اكثر العادات القديمة التي دامت عند الغجر، وأيضا
تلعب العربة دورا ظاهرا في تلك العادات، فبعد وفاة أحد الغجر تحرق عربته!
وفي الأوقات العصيبة يقومون ببناء خيمة وتدميرها عوضا عن إحراق العربة، قبل
دفن الغجري المتوفى لا يتناول الغجر الطعام ولا الشراب، ويقوم ثلاثة من
الغجر بحراسة المتوفى من الأرواح الشريرة، وقد استمرت هذه العادات حتى عام
1915م، وعادة ما يكون الكفن واسعاً لاحتواء ممتلكات المتوفى إلى جانبه،
ويقومون بإلباسه احسن الأزياء لديه، أما المرأة فتدفن معها جميع ممتلكاتها
الثمينة، إلا في حالة أن يكون لديها بنات من دم غجري خالص، عندها يرثن تلك
الممتلكات.