وهي تقع جنوب أورومية بالقرب من نهر براندوز
التي غزاها الشاه عباس الفارسي يترنم بها الأكراد بحب وإعجاب وهي تحتوي على
إحداث واقعية .
تعد ملحمة (( الأمير ذو الكف الذهب )) المعروفة باسم ملحمة ( قلعة دمدم ) من أشهر ملاحم البطولة الكوردية على الإطلاق
وهي تروي قصة نضال أمير كوردي شيد قلعة حصينة بهذا الاسم لحماية نفسه وأبناء عشيرته وإمارته من شرور الأعداء والمعركة الدموية
التي دارت بين الأمير وأبناء عشيرته من جهة وبين الشاه عباس ألصفوي وجيشه من جهة ثانية حيث دافع حماة القلعة الشجعان عن حياتهم
وحريتهم واستقلال إمارتهم الصغيرة حتى آخر رجل ولم يستطع الغزاة من أسر أي مقاتل كوردي ولم يجد الشاه و جنوده بعد دخولهم القلعة
– عن طريق المكيدة والخيانة – إلا الخرائب والأنقاض، حيث فضل الأمير البطل الموت بشرف وكرامة على حياة الذل والمهانة
في ظل حكم الشاه . وتشير المصادر التاريخية الى أن هذه المعركة الحاسمة وقعت في عام 1605 م على الأرجح .
تقع قلعة دمدم في شمال غرب كوردستان إيران وعلى حدودها مع تركيا وقد ورد ذكرها في كتاب ( الشرفنامة) لشرفخان البدليسي
– الذي دون تأريخ الأمارات الكوردية في القرون الوسطى – حيث يقول إن دمدم كانت قلعة لرئيس عشيرة برادوست .
و كانت هذه العشيرة تقطن أورمية و( ته رغة و مه رغة ) وبعض المناطق الأخرى . ويبدو من هذا النص إن قلعة دمدم كانت
قائمة في عام 1596 حين انتهى البدليسي من تدوين كتابه الشهير وأغلب الظن أن معركة قلعة دمدم وقعت بعد سنوات من بناء القلعة
حسب بعض المصادر أو إعادة بنائها حسب مصادر أخرى , وثمة مصادر تاريخية عديدة تطرقت إلى قلعة دمدم ومعركتها البطولية الدامية
ولعل أهم هذه المصادر هي كتاب (( تاريخ آراي عباسي )) للمنشيء مؤرخ الشاه عباس الصفوي وكتاب (( الكورد ))
للمستشرق فلاديمير مينورسكي وكتاب (( الكورد )) للمستشرق فاسيلي نيكيتين وكتب تاريخية عديدة أخرى .
إن معركة قلعة دمدم ليست من نسج الخيال وإنما تستند إلى وقائع حقيقية هزت مشاعر ووجدان الأدباء والشعراء الكورد على مر الأجيال
المتعاقبة فنظموا فيها القصص والملاحم الشعرية وكتبوا القصص النثرية التي تمجد إبطال المعركة كما ذاعت بين أبناء الشعب الكوردى
فحاكوا حولها الروايات الفولكلورية ويلاحظ وجود شيء من الاختلاف في هذه النتاجات الأدبية من حيث وسائل التعبير وأساليب الصياغة
والمعالجة الفنية و ذلك أمر طبيعي لاختلاف الرؤى والأساليب و الميول لدى
هؤلاء الأدباء و الشعراء، كما إن الروايات الشفاهية التي أبدعها
الشعب وانتقلت شفاها" من جيل إلى جيل خضعت للتغير أيضا باختلاف الرواة وقدرتهم على التعبير ونظرتهم إلى الحياة وقيمها
و الظروف السائدة. ومهما اختلفت هذه الروايات إلا أن الرواة الموهوبين حافظوا على ما هو جوهري في مضمون ملحمة قلعة دمدم
والتي تعكس مدى إصرار الكورد على مر العصور للذود عن حريتهم ومقاومة الغزاة مهما كلف ذلك من تضحيات.
و لدينا اليوم روايات فولكلورية عديدة لهذه الملحمة سجلها الباحثون و
الكتاب الكورد أنفسهم كما أن لدينا أيضا عدة معالجات أدبية عن هذه
المعركة شعرا" ونثرا"وكان المستشرق الروسي الكسندر زابا سباقا" إلى تسجيلها حيث نشر أول ملحمة شعرية عن هذه القلعة الصامدة
في عام 1860 في بطرسبورغ , كما توجد ضمن مخطوطاته التي تركها بعد وفاته عدة ملاحم شعرية أخرى حول دمدم تتشابه في مضامينها
وان اختلفت عناوينها ومعظم هذه الملاحم منسوبة إلى الشاعر الكوردي الكلاسيكي فقي طيران ولكن المستشرقة الرائدة مرجريت رودينكو
تقول : ( إن فقي طيران لا يمكن إن يكون مؤلف هذه الملاحم لسبب بسيط هو انه عاش في القرن الرابع عشر في حين إن معركة قلعة
دمدم وقعت في أوائل القرن السابع عشر ) كما قام العديد من المستشرقين الآخرين بتسجيل ونشر ملاحم شعرية حول قلعة دمدم تعود الى
الشعراء الكورد الكلاسيكيين .
وفي الأدب الكوردي الحديث أصبحت معركة قلعة دمدم معينا لا ينضب للعديد من الملاحم الشعرية والقصص والروايات , لعل أشهرها
الملحمة الشعرية التي نشرها الكاتب والشاعر الكوردي الشهيرجاسم جليل في كتابه " أغاني الجبال " الصادر في يريفان عام 1970
ورواية رائد الرواية الكوردية الحديثة عرب شمو وهي بعنوان " دمدم " وصدرت في يريفان عام 1966 وثمة بحوث ودراسات عديدة
حول هذه الملحمة من أهمها وأبرزها وأقدمها البحث الذي قدمه الدكتور اورديخان جليل الى جامعة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا) لنيل
شهادة الدكتوراه عام 1960 ودافع عن رسالته في العام نفسه بنجاح ثم أعاد نشر الرسالة على شكل كتاب صدر في موسكو باللغة الروسية
في عام 1967 تحت عنوان " الخان ذو الكف الذهب الكوردي " ( دمدم ) , وعلى هذا النحو نرى إن هذه الملحمة البطولية
قد نالت اكبر قدر من العناية والاهتمام بين ملاحم البطولة الكوردية لأنها تجسيد رائع لطموحات الشعب الكوردي ونضاله الطويل من اجل
نيل حقوقه القومية المغتصبة وانشداده الى الحرية والعدالة والكرامة كما إن
الملحمة طافحة بأنبل المعاني والقيم الإنسانية واستعداد لا حد له
للتضحية والفداء من اجل المبادئ السامية .
و تبدأ الملحمة ( في معظم الروايات الأدبية منها و الشعبية) بلجؤ أمير(خان) كوردى الى كوردستان إيران هربا" من ظلم السلطان
العثماني وخيل إليه انه بذلك قد تحرر من ظلم السلطان إلى الأبد ولكنه كان واهما" ، فالشاه الصفوى لم يكن أفضل من السلطان العثمانى.
وتختلف الروايات حول ظروف اللقاء بين الأمير الكوردي والشاه عباس ألصفوي , وتقول بعض الروايات إن الشاه قد تنكر في ذي تاجر
ومر على خيمة الأمير الكوردي قرب أورمية وان كف الأمير قد احترق وهو يناول جمرة نار ليشعل بها الشاه غليونه فكافأه الشاه بكيس من
الذهب وضعه في كف الأمير وتشير روايات أخرى أنه قد ذهب إلى بلاط الشاه من تلقاء نفسه وانه عمل سائسا" لخيول الشاه وذات مرة
هاجمته زمرة من قطاع الطرق فدافع عن نفسه دفاع الإبطال واستطاع إنقاذ
الخيول وقتل معظم إفراد الزمرة وولى الباقون الأدبار ولكن الأمير
فقد أحدى يديه في المعركة فأمر الشاه بصب يد من الذهب له ثم طلب من الشاه إن يمنحه قطعة ارض يبني عليها دورا لنفسه ولأبناء عشيرته
فاستجاب الشاه لطلبه ولكن الأمير شيد بدلا" من ذلك قلعة حصينة تضم دورا" لنفسه وإتباعه وأنه خطط لهذه القلعة بعناية فائقة حيث
كانت أسوار القلعة متينة ولها أبواب حديدية منيعة لا تؤثر فيها حتى المدافع
الثقيلة وكان داخل القلعة سراديب وإنفاق سرية وأحواض لمياه
الشرب وخزانات للمواد الغذائية والاهم من ذلك كانت القلعة تزود بالمياه من نبع سري وتجري مياهه في جدول مغطى بالصخور ولم يكن يعلم
بهذا السر سوى عدد محدود من حاشية الأمير ومن بينهم احد العمال الذين شقوا الجدول وساهموا في بناء القلعة وهو محمود المركاني ,
وكان مجتمع القلعة المتماسك والملتف حول الأمير ينعم بالحرية والرخاء بفضل حكمة الأمير وإجراءاته المدروسة ومهارته في إدارة شؤون
أمارته الصغيرة وكان زعيم (خان) منطقة ( مه ركة ) وهي منطقة قريبة من القلعة يخشى سلطة الأمير الكوردي القوية وصيته
ومناعة قلعته , وحين تزوج الأمير الكوردي من أجمل فتاة في خانية ( مه ركة) استشاط الخان غضبا" لأنه أراد الفتاة لنفسه
وليس لغريمه فأخذ الخان يحيك الدسائس والمكائد ضد الأمير الكوردي ويؤلب الشاه ضده , وقال الخان للشاه : إن الأمير الكوردي
قد شيد قلعة عظيمة ومنيعة وأعلن الاستقلال ولا يعترف بسلطة الشاه فجن جنون الشاه وأمر بهدم القلعة على رؤوس سكانها, وأرسل جيشا"
جرارا" لهذا الغرض بقيادة زعيم ( خان ) مه ركه ولكن محاولا ت جيش الشاه باء ت بالفشل الذريع حيث لم تكن لأسلحة الجيش
الفارسي وضمنها المدافع تأثير على القلعة فقرر الشاه قيادة الهجوم على القلعة بنفسه وحاصر القلعة لعدة أشهر ولكن حظه لم يكن أفضل
من حظوظ قواده واستمر حصار القلعة طويلا" لكن الحياة في القلعة كانت منظمة والروح المعنوية لسكانها عالية .
كانت كولبهار قد أنجبت للأمير ولدين وكان محمود المركاني يعمل سائسا" لخيول
الأمير لينعم برؤية الحسناء كولبهار فقد كان السائس مغرما"
بها من بعيد ويطيل التفكير فيها دون جدوى وطرأت في ذهنه فكرة جهنمية وهي
إفشاء سر الجدول الذي يزود القلعة بالمياه إلى الشاه إذ ربما
يجازيه الشاه فيهبه كولبهار, وتمكن محمود المركاني بطريقة خادعة من اللجوء إلى الشاه و إفشاء سر الجدول وجاء الشاه وجلس قرب النبع
مسرورا" ونهل من مائه بكأس من الذهب وشربه ثم نادى ذلك الخائن وسأله :
- ما الذي دفعك إلى الخيانة ؟
- أريد إن اخدم شاهي وان أحقق حلمي في الزواج من كولبهار.
رمقه الشاه بنظرة ازدراء وأمر بقتله سحلا" وذلك بربطه بذيل حصان جامح كما أمر بذبح قطيع من الماشية وإراقة دمائها في الجدول
لتخذ طريقها إلى القلعة و اضطرب سكان القلعة حين شاهدوا الدم يجري في الجدول عوضا عن الماء ولكن الأمير الكوردي طمأنهم
بأن الأحواض والجرار مليئة بالماء وان موسم الإمطار قريب حيث يمتلأ الأحواض بالمياه من جديد لحين وصول النجدات إليهم من أشقائهم
الكورد في الإمارات الكوردية الأخرى ولكن طال أمد الحصار ولم تصل النجدات وأخذ الماء يشح وقال والد الأمير وهو يخاطب رجال القرية :
- خير لنا إن نموت في ساحة الوغي من إن يحتل العدو القلعة ويجدنا نحتضر عطشا" علينا ان ندافع عن شرفنا وكرامتنا قبل إن ينتهكها
أزلام الشاه !
فهب شباب القلعة وتسلحوا بشتى أنواع الأسلحة وبعد ان تفقد الأمير تحصينات القلعة و جاهزية جنوده ذهب ليودع زوجته و ثمة فى بعض
الروايات حوار وداعى مؤثر جرى بين الأمير و زوجته الحبيبة. قال الأمير:
--جميلتي ، لقد ولدت لتعيش حرة فوق الجبال الشم وولدت ولدين كل منهما كالليث الهصور،جدي من اجل تربيتهما تجد فيهما سعادتك،
وحين تكون القضية قضية شرف فأنني اعرف ماذا ستفعلين.لا تنسى هذا اليوم.
نزلت دمعتان من ما قي كولبها ر وبرقتا كالبرق وانسابتا على خديها الأسيلين وقالت:
اذهب يا ليثي الهصور وأنت مفعم بالحب ولن يغلب رجل الحب و التضحية ولتكن كولبهار فداء لك.سأربى أولادك وأرضعهم لبانة الرجولة
و الشجاعة.استودعك الله.واقسم بسيفكأن أذيع جدارتك و شهرتك واضحي بحياتي من أجلك. ثم أمر الأمير بإخراج النساء و الأطفال
و الشيوخ من القلعة عن طريق نفق سرى يؤدى إلى الجبال القريبة.
كان الغروب قد لون قمم الجبال لتوها بالصفرة الذهبية حين فتحت بوابات القلعة و تدفقت سيول الرجال هادرة و بوغت العدو ونشبت
معركة دموية ضارية استبسل خلالها المقاتلون الكورد ولكن ميزان القوى لم يكن متكافئا فقد حشد الشاه جيشا جرارا يبلغ تعداده إضعافا
مضاعفة لعدد المقاتلين الكورد الذين كانوا يحاربون كالأسود تحت قيادة أميرهم البطل وبعد أن استشهد معظمهم , لجأ من بقي منهم
على قيد الحياة إلى الجبال ولم يتمكن العدو من أسر أي مقاتل كوردي وحين دخل جيش العدو إلى القلعة لم يجد سوى الخرائب والأنقاض ,
فقد فجر الكورد قلعتهم قبل أن يغادروها حيث كان الأمير الكوردي قد خطط لكل شيء مسبقا, وحدد طريقة تفجير القلعة عند الضرورة
وغدت شجاعة أبطال قلعة دمدم أسطورة تناقلها الأجيال الكوردية المتعاقبة وهي صفحة مشرقة و مشرفة من تأريخ الكورد ونضائلهم
وتضحياتهم السخية من اجل الحياة الحرة والكرامة الإنسانية
التي غزاها الشاه عباس الفارسي يترنم بها الأكراد بحب وإعجاب وهي تحتوي على
إحداث واقعية .
تعد ملحمة (( الأمير ذو الكف الذهب )) المعروفة باسم ملحمة ( قلعة دمدم ) من أشهر ملاحم البطولة الكوردية على الإطلاق
وهي تروي قصة نضال أمير كوردي شيد قلعة حصينة بهذا الاسم لحماية نفسه وأبناء عشيرته وإمارته من شرور الأعداء والمعركة الدموية
التي دارت بين الأمير وأبناء عشيرته من جهة وبين الشاه عباس ألصفوي وجيشه من جهة ثانية حيث دافع حماة القلعة الشجعان عن حياتهم
وحريتهم واستقلال إمارتهم الصغيرة حتى آخر رجل ولم يستطع الغزاة من أسر أي مقاتل كوردي ولم يجد الشاه و جنوده بعد دخولهم القلعة
– عن طريق المكيدة والخيانة – إلا الخرائب والأنقاض، حيث فضل الأمير البطل الموت بشرف وكرامة على حياة الذل والمهانة
في ظل حكم الشاه . وتشير المصادر التاريخية الى أن هذه المعركة الحاسمة وقعت في عام 1605 م على الأرجح .
تقع قلعة دمدم في شمال غرب كوردستان إيران وعلى حدودها مع تركيا وقد ورد ذكرها في كتاب ( الشرفنامة) لشرفخان البدليسي
– الذي دون تأريخ الأمارات الكوردية في القرون الوسطى – حيث يقول إن دمدم كانت قلعة لرئيس عشيرة برادوست .
و كانت هذه العشيرة تقطن أورمية و( ته رغة و مه رغة ) وبعض المناطق الأخرى . ويبدو من هذا النص إن قلعة دمدم كانت
قائمة في عام 1596 حين انتهى البدليسي من تدوين كتابه الشهير وأغلب الظن أن معركة قلعة دمدم وقعت بعد سنوات من بناء القلعة
حسب بعض المصادر أو إعادة بنائها حسب مصادر أخرى , وثمة مصادر تاريخية عديدة تطرقت إلى قلعة دمدم ومعركتها البطولية الدامية
ولعل أهم هذه المصادر هي كتاب (( تاريخ آراي عباسي )) للمنشيء مؤرخ الشاه عباس الصفوي وكتاب (( الكورد ))
للمستشرق فلاديمير مينورسكي وكتاب (( الكورد )) للمستشرق فاسيلي نيكيتين وكتب تاريخية عديدة أخرى .
إن معركة قلعة دمدم ليست من نسج الخيال وإنما تستند إلى وقائع حقيقية هزت مشاعر ووجدان الأدباء والشعراء الكورد على مر الأجيال
المتعاقبة فنظموا فيها القصص والملاحم الشعرية وكتبوا القصص النثرية التي تمجد إبطال المعركة كما ذاعت بين أبناء الشعب الكوردى
فحاكوا حولها الروايات الفولكلورية ويلاحظ وجود شيء من الاختلاف في هذه النتاجات الأدبية من حيث وسائل التعبير وأساليب الصياغة
والمعالجة الفنية و ذلك أمر طبيعي لاختلاف الرؤى والأساليب و الميول لدى
هؤلاء الأدباء و الشعراء، كما إن الروايات الشفاهية التي أبدعها
الشعب وانتقلت شفاها" من جيل إلى جيل خضعت للتغير أيضا باختلاف الرواة وقدرتهم على التعبير ونظرتهم إلى الحياة وقيمها
و الظروف السائدة. ومهما اختلفت هذه الروايات إلا أن الرواة الموهوبين حافظوا على ما هو جوهري في مضمون ملحمة قلعة دمدم
والتي تعكس مدى إصرار الكورد على مر العصور للذود عن حريتهم ومقاومة الغزاة مهما كلف ذلك من تضحيات.
و لدينا اليوم روايات فولكلورية عديدة لهذه الملحمة سجلها الباحثون و
الكتاب الكورد أنفسهم كما أن لدينا أيضا عدة معالجات أدبية عن هذه
المعركة شعرا" ونثرا"وكان المستشرق الروسي الكسندر زابا سباقا" إلى تسجيلها حيث نشر أول ملحمة شعرية عن هذه القلعة الصامدة
في عام 1860 في بطرسبورغ , كما توجد ضمن مخطوطاته التي تركها بعد وفاته عدة ملاحم شعرية أخرى حول دمدم تتشابه في مضامينها
وان اختلفت عناوينها ومعظم هذه الملاحم منسوبة إلى الشاعر الكوردي الكلاسيكي فقي طيران ولكن المستشرقة الرائدة مرجريت رودينكو
تقول : ( إن فقي طيران لا يمكن إن يكون مؤلف هذه الملاحم لسبب بسيط هو انه عاش في القرن الرابع عشر في حين إن معركة قلعة
دمدم وقعت في أوائل القرن السابع عشر ) كما قام العديد من المستشرقين الآخرين بتسجيل ونشر ملاحم شعرية حول قلعة دمدم تعود الى
الشعراء الكورد الكلاسيكيين .
وفي الأدب الكوردي الحديث أصبحت معركة قلعة دمدم معينا لا ينضب للعديد من الملاحم الشعرية والقصص والروايات , لعل أشهرها
الملحمة الشعرية التي نشرها الكاتب والشاعر الكوردي الشهيرجاسم جليل في كتابه " أغاني الجبال " الصادر في يريفان عام 1970
ورواية رائد الرواية الكوردية الحديثة عرب شمو وهي بعنوان " دمدم " وصدرت في يريفان عام 1966 وثمة بحوث ودراسات عديدة
حول هذه الملحمة من أهمها وأبرزها وأقدمها البحث الذي قدمه الدكتور اورديخان جليل الى جامعة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا) لنيل
شهادة الدكتوراه عام 1960 ودافع عن رسالته في العام نفسه بنجاح ثم أعاد نشر الرسالة على شكل كتاب صدر في موسكو باللغة الروسية
في عام 1967 تحت عنوان " الخان ذو الكف الذهب الكوردي " ( دمدم ) , وعلى هذا النحو نرى إن هذه الملحمة البطولية
قد نالت اكبر قدر من العناية والاهتمام بين ملاحم البطولة الكوردية لأنها تجسيد رائع لطموحات الشعب الكوردي ونضاله الطويل من اجل
نيل حقوقه القومية المغتصبة وانشداده الى الحرية والعدالة والكرامة كما إن
الملحمة طافحة بأنبل المعاني والقيم الإنسانية واستعداد لا حد له
للتضحية والفداء من اجل المبادئ السامية .
و تبدأ الملحمة ( في معظم الروايات الأدبية منها و الشعبية) بلجؤ أمير(خان) كوردى الى كوردستان إيران هربا" من ظلم السلطان
العثماني وخيل إليه انه بذلك قد تحرر من ظلم السلطان إلى الأبد ولكنه كان واهما" ، فالشاه الصفوى لم يكن أفضل من السلطان العثمانى.
وتختلف الروايات حول ظروف اللقاء بين الأمير الكوردي والشاه عباس ألصفوي , وتقول بعض الروايات إن الشاه قد تنكر في ذي تاجر
ومر على خيمة الأمير الكوردي قرب أورمية وان كف الأمير قد احترق وهو يناول جمرة نار ليشعل بها الشاه غليونه فكافأه الشاه بكيس من
الذهب وضعه في كف الأمير وتشير روايات أخرى أنه قد ذهب إلى بلاط الشاه من تلقاء نفسه وانه عمل سائسا" لخيول الشاه وذات مرة
هاجمته زمرة من قطاع الطرق فدافع عن نفسه دفاع الإبطال واستطاع إنقاذ
الخيول وقتل معظم إفراد الزمرة وولى الباقون الأدبار ولكن الأمير
فقد أحدى يديه في المعركة فأمر الشاه بصب يد من الذهب له ثم طلب من الشاه إن يمنحه قطعة ارض يبني عليها دورا لنفسه ولأبناء عشيرته
فاستجاب الشاه لطلبه ولكن الأمير شيد بدلا" من ذلك قلعة حصينة تضم دورا" لنفسه وإتباعه وأنه خطط لهذه القلعة بعناية فائقة حيث
كانت أسوار القلعة متينة ولها أبواب حديدية منيعة لا تؤثر فيها حتى المدافع
الثقيلة وكان داخل القلعة سراديب وإنفاق سرية وأحواض لمياه
الشرب وخزانات للمواد الغذائية والاهم من ذلك كانت القلعة تزود بالمياه من نبع سري وتجري مياهه في جدول مغطى بالصخور ولم يكن يعلم
بهذا السر سوى عدد محدود من حاشية الأمير ومن بينهم احد العمال الذين شقوا الجدول وساهموا في بناء القلعة وهو محمود المركاني ,
وكان مجتمع القلعة المتماسك والملتف حول الأمير ينعم بالحرية والرخاء بفضل حكمة الأمير وإجراءاته المدروسة ومهارته في إدارة شؤون
أمارته الصغيرة وكان زعيم (خان) منطقة ( مه ركة ) وهي منطقة قريبة من القلعة يخشى سلطة الأمير الكوردي القوية وصيته
ومناعة قلعته , وحين تزوج الأمير الكوردي من أجمل فتاة في خانية ( مه ركة) استشاط الخان غضبا" لأنه أراد الفتاة لنفسه
وليس لغريمه فأخذ الخان يحيك الدسائس والمكائد ضد الأمير الكوردي ويؤلب الشاه ضده , وقال الخان للشاه : إن الأمير الكوردي
قد شيد قلعة عظيمة ومنيعة وأعلن الاستقلال ولا يعترف بسلطة الشاه فجن جنون الشاه وأمر بهدم القلعة على رؤوس سكانها, وأرسل جيشا"
جرارا" لهذا الغرض بقيادة زعيم ( خان ) مه ركه ولكن محاولا ت جيش الشاه باء ت بالفشل الذريع حيث لم تكن لأسلحة الجيش
الفارسي وضمنها المدافع تأثير على القلعة فقرر الشاه قيادة الهجوم على القلعة بنفسه وحاصر القلعة لعدة أشهر ولكن حظه لم يكن أفضل
من حظوظ قواده واستمر حصار القلعة طويلا" لكن الحياة في القلعة كانت منظمة والروح المعنوية لسكانها عالية .
كانت كولبهار قد أنجبت للأمير ولدين وكان محمود المركاني يعمل سائسا" لخيول
الأمير لينعم برؤية الحسناء كولبهار فقد كان السائس مغرما"
بها من بعيد ويطيل التفكير فيها دون جدوى وطرأت في ذهنه فكرة جهنمية وهي
إفشاء سر الجدول الذي يزود القلعة بالمياه إلى الشاه إذ ربما
يجازيه الشاه فيهبه كولبهار, وتمكن محمود المركاني بطريقة خادعة من اللجوء إلى الشاه و إفشاء سر الجدول وجاء الشاه وجلس قرب النبع
مسرورا" ونهل من مائه بكأس من الذهب وشربه ثم نادى ذلك الخائن وسأله :
- ما الذي دفعك إلى الخيانة ؟
- أريد إن اخدم شاهي وان أحقق حلمي في الزواج من كولبهار.
رمقه الشاه بنظرة ازدراء وأمر بقتله سحلا" وذلك بربطه بذيل حصان جامح كما أمر بذبح قطيع من الماشية وإراقة دمائها في الجدول
لتخذ طريقها إلى القلعة و اضطرب سكان القلعة حين شاهدوا الدم يجري في الجدول عوضا عن الماء ولكن الأمير الكوردي طمأنهم
بأن الأحواض والجرار مليئة بالماء وان موسم الإمطار قريب حيث يمتلأ الأحواض بالمياه من جديد لحين وصول النجدات إليهم من أشقائهم
الكورد في الإمارات الكوردية الأخرى ولكن طال أمد الحصار ولم تصل النجدات وأخذ الماء يشح وقال والد الأمير وهو يخاطب رجال القرية :
- خير لنا إن نموت في ساحة الوغي من إن يحتل العدو القلعة ويجدنا نحتضر عطشا" علينا ان ندافع عن شرفنا وكرامتنا قبل إن ينتهكها
أزلام الشاه !
فهب شباب القلعة وتسلحوا بشتى أنواع الأسلحة وبعد ان تفقد الأمير تحصينات القلعة و جاهزية جنوده ذهب ليودع زوجته و ثمة فى بعض
الروايات حوار وداعى مؤثر جرى بين الأمير و زوجته الحبيبة. قال الأمير:
--جميلتي ، لقد ولدت لتعيش حرة فوق الجبال الشم وولدت ولدين كل منهما كالليث الهصور،جدي من اجل تربيتهما تجد فيهما سعادتك،
وحين تكون القضية قضية شرف فأنني اعرف ماذا ستفعلين.لا تنسى هذا اليوم.
نزلت دمعتان من ما قي كولبها ر وبرقتا كالبرق وانسابتا على خديها الأسيلين وقالت:
اذهب يا ليثي الهصور وأنت مفعم بالحب ولن يغلب رجل الحب و التضحية ولتكن كولبهار فداء لك.سأربى أولادك وأرضعهم لبانة الرجولة
و الشجاعة.استودعك الله.واقسم بسيفكأن أذيع جدارتك و شهرتك واضحي بحياتي من أجلك. ثم أمر الأمير بإخراج النساء و الأطفال
و الشيوخ من القلعة عن طريق نفق سرى يؤدى إلى الجبال القريبة.
كان الغروب قد لون قمم الجبال لتوها بالصفرة الذهبية حين فتحت بوابات القلعة و تدفقت سيول الرجال هادرة و بوغت العدو ونشبت
معركة دموية ضارية استبسل خلالها المقاتلون الكورد ولكن ميزان القوى لم يكن متكافئا فقد حشد الشاه جيشا جرارا يبلغ تعداده إضعافا
مضاعفة لعدد المقاتلين الكورد الذين كانوا يحاربون كالأسود تحت قيادة أميرهم البطل وبعد أن استشهد معظمهم , لجأ من بقي منهم
على قيد الحياة إلى الجبال ولم يتمكن العدو من أسر أي مقاتل كوردي وحين دخل جيش العدو إلى القلعة لم يجد سوى الخرائب والأنقاض ,
فقد فجر الكورد قلعتهم قبل أن يغادروها حيث كان الأمير الكوردي قد خطط لكل شيء مسبقا, وحدد طريقة تفجير القلعة عند الضرورة
وغدت شجاعة أبطال قلعة دمدم أسطورة تناقلها الأجيال الكوردية المتعاقبة وهي صفحة مشرقة و مشرفة من تأريخ الكورد ونضائلهم
وتضحياتهم السخية من اجل الحياة الحرة والكرامة الإنسانية